الحاج عين الحياة صالح

بسم لله الرحمن الرحيم
عين الحياة"
الحاج عين الحياة صالح UO692708

مصرية قهرت الأمية ووصلت لموسوعة جينيس

تم طرح اسمها علي منظمة "اشوكا" لتكريمها بسبب انجازاتها الاجتماعية

حرمتها أسرتها من التعليم خوفا من "الفضيحة"!

صفق لها الرئيس مبارك مرتين ومحت أمية 1500 رجل وامرأة

انشأت في قريتها أول مكتبة وأول مركز للشرطة واهتمت بقيد الساقطين

تؤمن أن مواجهة الأعداء وتحرير الأراضي المحتلة لن يتم إلا بالعلم

كان أشوكا إمبراطورا للهند في القرن الثالث قبل الميلاد، اما اليوم وفي القرن الواحد والعشرين فإن "اشوكا" تشير الي منظمة دولية غير هادفة للربح أنشئت عام 1980. تهدف في الأساس إلي التشجيع علي ابتكار أفكار اجتماعية جديدة مبدعة ونادرة من المبدعين والرواد الاجتماعيين. وتهتم أشوكا بتنمية الافراد المتميزين وعملهم عن طريق امدادهم بخدمات مهنية لدعمهم ومكافآت رمزية لمساعدتهم علي توفير المزيد من الوقت للعمل علي تحقيق أحلامهم الإجتماعية.

تم تطبيق برنامج عمل أشوكا لأول مرة في آسيا عام 1980 ثم امتد مجال عملها إلي أمريكا اللاتينية في عام 1986 ثم افريقيا في عام 1989، ووسط أوروبا عام 1994 ثم الولايات المتحدة الأمريكية عام 2000 واليوم يوجد حوالي 1400 مبدع ومبدعة اجتماعية يمثلون أشوكا في 48 دولة حول العالم، ويعملون علي طرح الحلول المبدعة لمشاكل اجتماعية خطيرة. تم افتتاح فرع أشوكا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مارس 2003، في مقره بالقاهرة، والممثلة الاقليمية للمنظمة في مصر هي الدكتورة ايمان بيبرس.

وتسعي اشوكا الي تكريم ودعم الشخصيات التي تصر علي التأثير الايجابي في محيطها البيئي لا سيما علي صعيد المشاكل الاجتماعية، وفق مظاهر ووسائل من الابداع الاجتماعي. وفي سياق اجتماعات اشوكا وفعالياتها بالقاهرة تم طرح اسم "عين الحياة" لتكريمها، فمن هي صاحبة هذا الاسم الملهم؟!

تابع

انها سيدة مصرية وصفها صلاح الدين حافظ الامين العام لاتحاد الصحفيين العرب بانها "انتصار الحياة" حينما رآها أمامه أول فتاة ريفية بسيطة تقاضي من يظلمها! وعندما زارها الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين عاد وكتب "زيارة من عين الحياة". صفق لها الرئيس المصري "حسني مبارك" مرتين في لقاء واحد، اعجابا بعزيمتها وعقليتها.

حصلت علي لقب الأم المثالية علي مستوي جمهورية مصر العربية عام 1999م، وكانت واحدة من النساء اللاتي وردت سيرتهن في موسوعة 1000 شخصية نسائية.

فتاة البراجيل

نشأت عين الحياة عبد الكريم صالح في قريه تسمي البراجيل في محافظة الجيزة. ورغم أن والدها كان ناظراً (مديرا) لمدرسة القرية، إلا أنه رفض السماح لها بالتعليم، اذ كان الناس في ثلاثينيات القرن الماضي يرون تعليم المرأة، خروجا علي الادب والتقاليد يصل لدرجة "العيب"..!

ولكن "عين الحياة" لم تستسلم، فقد بحثت عن أقرب مركز لمحو الأمية فور بلوغها الثانية عشرة من عمرها، حتي عثرت علي مركز كان يبعد عن بيت جدها الذي تربت فيه حوالي أربعة كيلومترات، تمكنت من التردد عليه مرتين فقط، حتي تدخلت عماتها لمنعها من الاستمرار في التعليم، خوفا من الفضيحة بين اهل القرية!

كبرت عين الحياة وازدادت جمالا، حتي أحبها المهندس يوسف خليل الذي كان يعمل مفتشا بهيئة الآثار، فتقدم لوالدها طالبا الزواج منها، مشترطا ان تتعلم الفتاة وتمحي اميتها لاتمام الزواج. وهنا جاءت الحياة لتحقق لعين الحياة امنيتها في التعليم، فتلاقي حلمها برغبته، وبدأت الفتاة الطموحة تخطو اولي خطواتها علي طريق المعرفة، حتي نجحت في الحصول علي شهادة الابتدائية خلال فترة الخطوبة، فزاد إعجاب المهندس الشاب بها وبإصرارها، فتزوجها وأقام لها ثلاث ليال ملاح لم تشهد القرية مثلها.

كانت طبيعة عمل "يوسف خليل" تقتضي السفر والترحال من مكان لآخر، فرافقته عين الحياة حيثما ذهب، طوال سبع سنوات، شاهدت فيها الواحات، الأقصر، واسوان وغيرها من المدن المصرية التي لم تكن تعرف عنها شيئا.
وبالرغم من كونه رجلاً كأي رجل شرقي، يرفض بطبيعته أن تخرج زوجته من بيتها لوقت طويل، وان تطيعه في كل ما يقول، إلا أن "يوسف" آمن بقدرتها علي الارتقاء، وكان واثقاً من ذكائها وامكاناتها، فسلحها بما ينقصها من خبرات الحياة، حتي انها تقول

الآن عنه: "علمني أن احب الناس وأن اعطف عليهم.. وحببني في خدمتهم. علي سبيل المثال كان لدينا غفير وخادم اثناء اقامتنا في منطقة "الواحات" الصحراوية، وكانا لا يجدان من يطهو لهما الطعام، فكان يقدم لهما مما نأكل قبل أن تمتد أيدينا عليه..". انجبت عين الحياة من "يوسف" ابنتين، احداهما تخرجت في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، والاخري في كلية الفنون الجميلة.

انكسار

لم تدم سعادة "عين الحياة" طويلا، فقد انهدم حلمها السعيد فجأة بالطلاق بسبب اسرة الزوج التي كانت تري ان ابنها يستحق زوجة من مستوي اجتماعي اكبر. كان ذلك اكبر انكسار تعرضت له عين الحياة، ولكنها هبت واقفة علي قدميها في صلابة وكبرياء، فأكملت تعليمها حتي حصلت علي شهادة "الإعدادية". والتحقت بالعمل الحكومي كعاملة بسيطة لتكسب ما تقتات به. ثم ثابرت وارتقت حتي أصبحت عضوة باتحاد نقابات العمال، تدافع عن الحقوق وتطالب بحاجات الناس. وعندما عرض عليها منصب "سكرتيرة الاتحاد" رفضته، لانها كانت آنذاك عضوة في الحزب الوطني وأمانة المرأة، فخشيت أن تقبل المنصب فتبتعد عن قريتها التي تعشقها، وأرضها واهلها.

حصلت عين الحياة علي دورات تدريبية عديدة، قابلت خلالها اول وزيرة مصرية هي "حكمت ابوزيد" التي اعجبت بحماس"عين الحياة" فأصدرت قرارا بتنظيم اتحاد الرائدات الريفيات علي مستوي القري، لجمع كل النماذج النسائية المشرفة اللاتي علي شاكلة "عين الحياة".

قاهرة الأمية

اكتشفت "عين الحياة" ان الجهل والامية هي السبب الرئيسي لمعظم مشكلات القرية، بل ومشكلات الحياة كلها علي حد قولها، فبدأت رحلتها التاريخية مع مكافحة الامية، والتي بدأت منذ أكثر من ستين عاما! كان طبيعيا ان تبدأ بأهل قريتها "البراجيل"، حيث دعتهم للعمل بشعار وضعته هي "اعمل نهارا.. ذاكر ليلا".

منذ الثمانينات كانت تجمع الفتيات والفتيان في زوايا متواضعة، وتقدم لهم العلم والمعرفة في مختلف الموضوعات، لا القراءة والكتابة فحسب. فكانت تعلمهم معاني الانتماء وحب الوطن. يأتي اليها الزائرون من كل مكان ليشاهدوا هذه الفلاحة الاصيلة المعلمة، فيرحب بهم تلاميذها.

سبورة في كل مقهي

كانت ابرز العوائق هوعدم وجود مراكز لمحو الامية في القرية، او علي الاقل بعدها عن الاهالي بما لا يشجعهم علي الذهاب اليها، فكان قرار"عين الحياة" بالذهاب لهم بالسبورة والاوراق والاقلام. فوضعت السبورة في الشارع والحارة والزقاق، في المقاهي ودور المناسبات. كانت اول من تنبه الي اهمية المقاهي في حياة الرجال، علي عكس ما يعتقده الكثيرون من انها وسائل لاضاعة الوقت او جلوس العاطلين، فذهبت الي المقاهي حيث يتجمع الرجال، لتغلق التليفزيون، وتنبههم الي السبورة، حيث تبدأ دروس محو الامية... فعلت ذلك قبل اكثر من ثلاثين عاما!

انجازات بالجملة

لم يتوقف عطاء "عين الحياة" عند محو أمية اكثر من 1500 شخص من النساء والرجال، فقد جعلت خدمة بلدتها هو شغلها الشاغل. تبوأت مناصب العمل العامة لتدافع عن الحقوق الضائعة، فأصبحت عضوة بالإتحاد الاشتراكي العربي، وأمينة للمرأة في المجلس المحلي للمحافظة التابعة لها قريتها، وعضو اتحاد مجالس نقابات عمال المناجم والمحاجر.
كما انشأت "عين الحياة" اول مكتبة في القرية لاستعارة الكتب وشراء الادوات المكتبية، وما زالت حتي الآن تستقبل الطلاب في منزلها، الذي تكون السبورة هي اول شيء تقع عليه عينك بمجرد الدخول اليه!. كما

تابع

بادرت الي انشاء اول دار حضانة بقريتها، حتي توفر الفرصة كاملة لنساء القرية كي يتعلمن ويمحين اميتهن، دون التحجج بالاطفال ورعايتهم.

كما دعت الي انشاء مركز للشرطة بقريتها "البراجيل"، وقد تحقق لها ذلك بما اثار عداء عائلة كاملة من اكبر العائلات بالقرية لعين الحياة، بعد ان ترتب علي ذلك الغاء العمودية (نظام معمول به منذ القدم لحكم القري المصرية)، حيث كانت هذه الاسرة محتكرة لمنصب "العمدة" الذي يحكم القرية!

أضف إلي ذلك أن عين الحياة لاحظت إصابة الكثيرين من اهل القرية بأمراض الكلي، فأخذت عينة من مياه الشرب، وقامت بتحليلها في وزارة الصحة المصرية، لتكتشف أنها غير صالحة للشرب. فاستغلت هذا الدليل في مطالبتها المسئولين بإدخال مياه الشرب النظيفة الي القرية، وبعد مثابرات تحقق لها ما ارادت، وشرب الاهالي مياها نظيفة لاول مرة في حياتهم!.

بلا هوية

تصدت "عين الحياة" لمشكلة "سواقط القيد"، وهم الاشخاص الذين لم يتم اصدار شهادات ميلاد لهم، وبالتالي لا تعتبرهم الاجهزة الرسمية موجودين اصلا! فسعت لمساعدتهم لدي الاجهزة الحكومية. وعندما اصدر وزير الداخلية قرارا بتوزيع استمارات مجانية علي المواطنين، اخذت "عين الحياة" تجول كل انحاء قريتها والقري المجاورة، حاملة مكبرا للصوت تبحث عن كل ساقطي القيد لتوزع عليهم الاستمارات وتساعدهم في تعبئتها.

وكان هناك عدد من ابناء القرية الذين يمتهنون اعمالا بسيطة، ولم ينالوا قسطا من التعليم، ولا عائل لهم، فأطلقت عليهم "عين الحياة" لقب "ضحايا الزمان"، وبادرت الي مساعدتهم للحصول علي معاش شهري من الدولة لاعانتهم علي تكاليف الحياة، عبر مخاطبة الجهات الرسمية واعداد الاوراق اللازمة.

تمثيل الشعب

حلمت عين الحياة بالحصول علي عضوية مجلس الشعب (البرلمان المصري)، حتي تكون ممثلة لفئة من الشعب غمرته بحنانها واهتمامها كما لم يفعل احد من قبل. قررت خوض الانتخابات عن دائرة "اوسيم" التي تتبعها قريتها بمحافظة الجيزة، ولكن لم يكتب لها النجاح في اي مرة من المرات الاربع التي خاضت فيها هذه التجربة، بكل ما كان يتطلبه ذلك من جهد ومال. وتفسر ذلك قائلة: "انتمي لاسرة غير مقتنعة بدور المرأة اساسا، فلم يمنحوني اصواتهم، رغم انها عائلة كبيرة بالقرية. وقد قال لي زوجي وابو بناتي رحمه الله: "يا "عين" انت لا تملكين المال ولا العزوة، وهما شرطان اساسيان للفوز بأي انتخابات مهمة كانتخابات مجلس الشعب"!". وتبدو "عين الحياة" غير مقتنعة بما قاله زوجها حين تتساءل في اندهاش: "ربما لا املك المال، ولكن بعد كل هذا لا املك العزوة؟!".

تحياتى /محمود مجدى صالح مدير عام منتديات حودة سوفت